تزايد وتيرة الظواهر الطبيعية المتطرفة وقد أدى تأثير هذه المخاطر على المجتمعات والنظم البيئية إلى تطوير نماذج إنذار مبكر أكثر دقةً وأتمتةً. ومؤخرًا، استثمرت الأبحاث الدولية والمشاريع الأوروبية في استخدام الذكاء الاصطناعي والاستشعار عن بُعد لإنشاء أنظمة لا تكتفي بكشف المخاطر فحسب، بل تتنبأ أيضًا بعواقبها بوقت كافٍ لاتخاذ قرارات فعّالة وإنقاذ الأرواح.
الكثير نماذج الإنذار المبكر أصبحت هذه الأنظمة أداةً أساسيةً للحد من الأضرار وتحسين الموارد في مواجهة الزلازل وحرائق الغابات والآفات وتدهور الغابات. وبفضل تطبيق التقنيات الحديثة، لم تعد هذه الأنظمة تقتصر على إصدار تحذيرات عامة، بل أصبحت الآن تدمج البيانات الآنية وصور الأقمار الصناعية والسجلات الفسيولوجية وأجهزة الاستشعار الموزعة في جميع أنحاء المنطقة.
الإنذار المبكر بالزلازل بفضل الذكاء الاصطناعي
يأتي أحد أبرز التطورات من العمل المشترك بين الجامعات التشيلية والبريطانية، والتي نفذت نموذج التنبؤ بشدة الزلازل يعتمد هذا النظام على الذكاء الاصطناعي. طوّره باحثون من جامعة لوس أنديس وجامعة تشيلي وجامعة إكستر، وهو قادر على التنبؤ بالشدة المتوقعة للزلزال قبل 30 أو 40 ثانية من ذروة الظاهرة، وهو هامش زمني قد يُحدث فرقًا عند إخلاء المباني المعرضة للخطر أو إيقاف العمليات الصناعية الخطرة.
النظام المسمى HEWFERS يستخدم إطار عمل الإنذار المبكر بالزلازل الهجين لتقدير أطياف الاستجابة تقنيات تعلم آلي متقدمة لتحليل الثواني الأولى المسجلة في محطات التسارع. بفضل هذه المعلومات، يُمكن تقدير ليس فقط المنطقة المتضررة، بل أيضًا الضغط الفعلي الذي ستتعرض له المباني والبنى التحتية الأخرى. وهذا يوفر لمسؤولي الحماية المدنية والطوارئ أساسًا أكثر متانة لاتخاذ القرارات المناسبة في كل حالة.
تقترح المبادرة تطبيقها على نطاق واسع مستقبلًا في الدول ذات النشاط الزلزالي المرتفع، مثل تشيلي، بالاستفادة من شبكة المحطات الحالية في المركز الوطني لرصد الزلازل. علاوة على ذلك، يُظهر التحقق باستخدام بيانات الزلازل الحقيقية - مثل تلك التي وقعت في اليابان - إمكانية تكيفها مع سياقات زلزالية دولية أخرى.
حماية غابات الصنوبر والبلوط باستخدام النماذج الآلية
في قطاع الغابات أيضًا، تكتسب فكرة الإنذار المبكر زخمًا. المشروع الأوروبي منبسط، بقيادة معهد الزراعة المستدامة التابع للمجلس الأعلى للزراعة، يهدف إلى تطوير نظام قادر على تحديد الغابات المعرضة لخطر الموت، وخاصة غابات الصنوبر والبلوط في بيئة البحر الأبيض المتوسط. تركز هذه التقنية على الكشف المبكر عن الآفات والأمراضباستخدام أجهزة الاستشعار عن بعد الحرارية وتحليل المتغيرات الفسيولوجية للكشف عن أولى علامات التدهور في الأشجار.
ووفقا للمحققين، الكشف المبكر ضروري لتطبيق الحراجة الدقيقة والتخفيف من الآثار الاقتصادية والبيئية لتدهور الغابات. يحظى مشروع TREAD بدعم من جامعة قرطبة والمركز البرتغالي CoLAB ForestWISE، بالإضافة إلى دعم المعهد الأوروبي للغابات، مما يؤكد أهميته الدولية.
إلى جانب جمع البيانات، يهدف المشروع إلى إنشاء قاعدة بيانات مفتوحة وعارض عبر الإنترنت يتيح هذا النموذج تبادل المعلومات بين العلماء ومديري الغابات والمسؤولين الحكوميين. والفكرة هي توسيع نطاق النموذج ليشمل جميع أنواع النظم البيئية، مع دمج أنواع جديدة، وتكييف الاستجابة لتحديات تغير المناخ.
التحديات والفرص التي توفرها نماذج التنبؤ الجديدة
استخدام نماذج الإنذار المبكر يشكل تحديات علمية وتقنيةمن بينها صعوبة فهم ونمذجة التغيرات الفسيولوجية في النباتات المعرضة للإجهاد، والحاجة إلى تكييف الخوارزميات مع الظروف البيئية شديدة التقلب. علاوة على ذلك، يجب معايرة أنظمة الذكاء الاصطناعي باستمرار لتجنب التحيز وتحسين دقتها، لا سيما في الحالات التي قد تكون فيها البيانات المتاحة محدودة أو مجزأة.
ورغم هذه الصعوبات، فإن الاتجاه واضح: دمج التحليلات التنبؤية وتقنيات البيانات الضخمة في إدارة المخاطر، تُحدث هذه الأدوات تحولاً جذرياً في طريقة تعاملنا مع حالات الطوارئ. إذ تتيح لنا هذه الأدوات، على نحو متزايد، توقع حجم الكارثة المحتمل في ثوانٍ معدودة، مما يُسهّل الاستجابة بشكل أسرع وأكثر دقة.
تطوير نماذج الإنذار المبكر لكل من الزلازل وصحة الغابات، يوضح أهمية التعاون الدولي والاستثمار في البحوث التطبيقيةوتمثل الأنظمة المتقدمة التي يتم اختبارها بالفعل في أوروبا وأميركا اللاتينية خطوة إلى الأمام في حماية البنية التحتية الحيوية والنظم البيئية الطبيعية والمجتمعات الضعيفة من التهديدات المتزايدة المتكررة وغير المتوقعة.