كانت حضارة المايا واحدة من أكثر الحضارات تقدمًا في العصور القديمة، كما يتضح من الكنوز الأثرية العديدة التي نجت حتى يومنا هذا. ومع ذلك، كان أحد الجوانب الحرجة التي واجهوها هو تأثير درجات حرارة عالية. وفي الواقع، كانت هذه الأحداث أحد الأسباب الرئيسية للصراع المسلح في نهاية وجودها.
وبحسب فريق من علماء الآثار والإحصائيين من جامعة سيمون فريزر الكندية، الذين نشروا أبحاثهم في مجلة مراجعات العلوم الرباعية، و تغير المناخ فهو مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالتوترات والصراعات الاجتماعية في هذه الحضارة. السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل ينتظرنا مستقبل مماثل؟
قام الباحثون بتحليل البيانات بين عامي 363 و888 ميلادي، وهي الفترة التي وصلت فيها الهندسة المعمارية المايانية إلى ذروتها. خلال هذا الوقت، عدد الحروب كما زادت بشكل كبير. وباستخدام النماذج الإحصائية، قرر الفريق أنه في حين لا يبدو أن هطول الأمطار يؤثر على العنف، فإن ارتفاع درجات الحرارة كان له تأثير. وأشار مارك كولارد، المؤلف المشارك في الدراسة، إلى أن "العديد من الدراسات تزعم أن الطقس الدافئ يزيد من عدوان بين الناس". بالنسبة للمايا، كانت هذه الظاهرة مرتبطة بشكل خاص بتأثير الحرارة على محاصيلهم الأساسية، وخاصة ذرة.
الذرة وأهميتها في حضارة المايا
كان الذرة هو الغذاء الأساسي للاقتصاد الماياني. ولم يقتصر الأمر على توفير الطعام فحسب، بل كان أيضًا رمزًا للمكانة الاجتماعية لقادة المجتمع. كانت مكانتهم تعتمد على النجاح في المعارك بقدر اعتمادهم على قدرتهم على إمداد السكان. خلال فترات الجفاف أو في حالات موجات الحر، عندما بدأت المحاصيل تفشل، كان الرد هو الانخراط في المزيد من الصراعات المسلحة. يصبح هذا حلقة مفرغة: نقص الغذاء يشجع التوترات الاجتماعية، الأمر الذي أدى بدوره إلى المزيد من الصراعات. إن عواقب ارتفاع درجات الحرارة في حضارة المايا تشكل أهمية بالغة لفهم تاريخها، وهي الديناميكية التي يمكن العثور عليها أيضًا في فترة الدفء في العصور الوسطى.
واليوم، يثير الاحتباس الحراري العالمي عدداً من المخاوف المماثلة. ويشير بعض الخبراء إلى أن إحدى الحروب المقبلة قد تكون بسبب المياه، نظراً لأن أعداد السكان تستمر في النمو بينما تتضاءل موارد المياه. وتدعونا دروس حضارة المايا إلى التفكير في كيفية تسبب تغير المناخ في تفاقم التوترات والصراعات في المستقبل.
العلاقة بين تغير المناخ والصراعات المسلحة
كشفت دراسة أجراها علماء آثار كنديون أن الفترة ما بين 363 و888 ميلادية شهدت زيادة ملحوظة في عدد الحروب. مع استخدام السجلات التاريخية وقد تمكن الباحثون من خلال تحليل البيانات المناخية القديمة وبيانات المناخ القديم من إثبات أن عدد الصراعات ارتفع من 0 إلى 24 كل 25 سنة في نهاية الفترة، مما يدل على وجود ارتباط مباشر مع ارتفاع درجات الحرارة. يعزز هذا النوع من التحليل فكرة أن المناخ يلعب دورًا حاسمًا في كيفية استجابة الحضارات لندرة الموارد، تمامًا كما هو الحال في فترات الأزمات الأخرى مثل تلك التي أثرت على العالم. AÑO 2017.
وعلاوة على ذلك، فقد تبين أن التغير في مستويات الصراع لم يكن مرتبطا بهطول الأمطار. وبدلاً من ذلك، كانت درجات الحرارة المرتفعة هي العامل الرئيسي المسؤول عن زيادة العداوات. يتحدى هذا الاكتشاف الفكرة الشائعة بأن الجفاف كان المسؤول الوحيد عن العنف، مما يشير إلى أنه ينبغي النظر إلى تأثير الحرارة عن كثب.
الآليات النفسية والاقتصادية للعنف
يقترح الباحثون آليتين يمكن من خلالهما أن يؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى زيادة عدد الصراعات. الأول نفسي؛ يمكن أن تؤدي درجات الحرارة المرتفعة إلى تكثيف التهيجية والعدوانية لدى الناس. وقد أظهرت العديد من الدراسات في علم النفس الاجتماعي أن الحرارة يمكن أن تزيد من مستويات العدوان لدى الأفراد.
أما الآلية الثانية والأكثر أهمية فهي تتعلق بالاقتصاد، وتحديداً بزراعة الذرة. طوال الفترة الكلاسيكية، عندما ارتفعت درجات الحرارة المتوسطة إلى 28 درجة مئوية أو أعلى، بدأت محاصيل الذرة في الفشل. وقد تسبب هذا في أزمة الغذاء مما شجع على النزاعات والصراعات بدلا من التعاون. وقد أدى إزالة الغابات بسبب التوسع الحضري إلى تفاقم مشكلة رطوبة التربة، مما أدى إلى تفاقم هذه المشكلة.
تأثير الاحتباس الحراري على الحضارات الحالية
تكشف دراسة المايا عن نمط له أهمية كبيرة في سياق تغير المناخ المعاصر. تواجه العديد من المجتمعات اليوم تحديات مماثلة لتلك التي واجهتها حضارة المايا. على سبيل المثال، يؤدي تغير المناخ إلى أزمة الغذاء والمياه التي قد تؤدي في نهاية المطاف إلى إثارة الصراعات. وقد تم تسجيل عواقب تغير المناخ على حضارة المايا في التاريخ، على غرار التحذيرات التي ظهرت خلال التغيرات المناخية في القارة الأمريكية.
وحذرت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ من أن عواقب تغير المناخ قد تؤدي إلى تفاقم التوترات الاجتماعية. وهذا يشمل العنف بين الأشخاص، والحرب الأهلية، وتصاعد الإرهاب. ويذكرنا تاريخ المايا بأن الفشل في الاستجابة لإشارات التغيير يمكن أن يؤدي إلى عواقب مدمرة.
استراتيجيات التكيف المايانية
لم يكن شعب المايا القديم ضحية للظروف الجوية السيئة فحسب؛ كما أظهروا قدرة ملحوظة على التكيف. لقد طبقوا استراتيجيات معقدة لإدارة بيئتهم وتحسين الإنتاج الزراعي. على سبيل المثال، قاموا ببناء السدود والسدود لإدارة المياه وزيادة الإنتاجية في أوقات الجفاف.
لقد أتاحت لنا هذه الأراضي الرطبة المُدارة الاستفادة من دورات الفيضانات والجفاف الطبيعية، مما ساعد في التخفيف من آثار تغير المناخ على إنتاج الغذاء. إن الابتكارات التكنولوجية التي ابتكرها شعب المايا، مثل التحكم في تدفق الرواسب والإدارة السليمة للموارد المائية، تشكل شهادة على الإبداع البشري في مواجهة الشدائد.
المستقبل في مواجهة تغير المناخ
ويشكل تاريخ حضارة المايا تحذيراً بشأن مخاطر التقاعس وعدم الاستعداد لمواجهة تغير المناخ. وبينما ننتقل إلى مستقبل غير مؤكد، فمن الضروري أن نتعلم من دروس الماضي. يتعين على المجتمعات الحديثة أن تضع سياسات واستراتيجيات فعالة لمعالجة تغير المناخ، وتعزيز التعاون والاستدامة بدلاً من الصراع.
ويشير الواقع المعاصر إلى أن آثار تغير المناخ مرتبطة بالصراعات الاجتماعية. ومن هنا تأتي أهمية اتخاذ قرارات مدروسة مبنية على البيانات العلمية لضمان بيئة أكثر استقرارا وسلاما في المستقبل.
صور من ثقافة المايا
إن فهم تاريخ وثقافة المايا، فضلاً عن تفاعلهم مع البيئة، أمر ضروري لفهم كيف يمكن لأفعالنا الحالية أن تحدد مستقبل حضارتنا. لا يمكننا أن نتجاهل دروس الماضي.