وفي الأسابيع الأخيرة، أجريت دراسة لقد جذبت الصخور الموجودة على المريخ الانتباه مرة أخرى من الأوساط العلمية وهواة استكشاف الفضاء. بفضل التقدم التكنولوجي لمركبات ناسا الروبوتية، وخاصةً مركبة "بيرسيفيرانس"، تُطرح أسئلة جديدة حول تكوين وتركيب وأصل أنواع مختلفة من الصخور على الكوكب الأحمر. هذه النتائج، وإن لم تُقدم إجابات قاطعة، إلا أنها تفتح الباب أمام نظريات جديدة حول العمليات الجيولوجية وتاريخ المريخ.
مهمة المثابرة، التي تعمل على سطح المريخ منذ عام 2021، لها هدفها الرئيسي استكشاف ماضي المريخ من خلال تحليل صخوره وتربتهوتظهر النتائج التي تم الحصول عليها أنه على الرغم من مرور أكثر من ستين عامًا على هذا الكوكب، فإن الدراسة التفصيلية للصخور تظل ضرورية لتوضيح وجود الماء وإمكانية الحياة في العصور القديمة.
اكتشاف تشكيل صخري فريد من نوعه في فوهة جيزيرو
كان أحد الاكتشافات الأحدث والأكثر إثارة للدهشة هو اكتشاف تكوين صخري به آلاف الكرات الصغيرة الملتصقة بسطحه، تقع على منحدر تلة ويتش هازل، داخل فوهة جيزيرو. سُميت باسم خليج سانت بول بواسطة فريق مركبة بيرسيفيرانس، هذه الصخرة تتميز بملمسها المليء بالكرات الصغيرة التي يبلغ حجمها بضعة ملليمترات فقطبعضها بيضاوي الشكل أو حتى مجزأ، وحتى يحتوي على ثقوب صغيرة.
أثار هذا المظهر غير المعتاد دهشة علماء البعثة، إذ لا توجد تشكيلات مماثلة على الأرض أو في رحلات استكشاف المريخ السابقة. ووفقًا لخبراء ناسا، قد يكون خليج سانت بول... صخرة عائمة، وهو مصطلح يُستخدم لوصف الصخور التي نُقلت من موطنها الأصلي. تُعقّد هذه الخاصية تحليل سياقها الجيولوجي، إذ يُحتمل أن تكون نشأتها من منطقة مختلفة تمامًا عن موقعها الحالي.
التكوينات والنظريات حول أصلها: الماء والبراكين والنيازك
وينظر فريق البحث سيناريوهات مختلفة حول كيفية تشكيل هذه المجالاتتشير إحدى النظريات الأكثر انتشارًا إلى أنه من الممكن أن يكونوا التكتلات المعدنيةنتيجةً لتسرب المياه الجوفية عبر المواد المسامية، مما يُعزز تراكم المعادن موضعيًا. حُددت هذه الظاهرة لأول مرة بواسطة مركبة أوبورتيونيتي الجوالة قبل عقدين من الزمن، وذلك من خلال "التوت الأزرق المريخي" الشهير.
ومع ذلك، لا يتم استبعاد العمليات الأخرى: التبريد السريع للحمم البركانية بعد ثوران بركاني ربما يكون قد تسبب في ظهور هذه الأشكال، أو حتى تكاثف الصخور المتبخرة بعد اصطدام النيزكتتضمن كل عملية ظروفًا بيئية مختلفة وتوفر رؤى حول التطور التاريخي للمريخ.
إن التباين بين صخور خليج سانت بول والتضاريس المحيطة بها، والتي تبدو أخف وزناً وأكثر غباراً، يدعم فكرة أن انتقل التكوين من طبقات جيولوجية أعلى أخرى، مثل الأشرطة الداكنة لتل ويتش هازلإن تحليل هذه المواد، والذي أصبح ممكناً فقط بفضل تقنية المثابرة، قد يكشف عن حلقات النشاط البركاني أو تدفقات المياه في ماضي الكوكب.
كيف يتم تحليل هذه الصخور المريخية
لتحليل هذه المواد، تم تجهيز المركبات المريخية بـ أدوات عالية الدقة. تستخدم المثابرة أجهزة مثل أداة تآكل الصخور، قادرة على تنظيف وحفر سطح الصخور، مما يسمح بفحص الطبقات الداخلية الأقل تآكلًا بفعل البيئة الخارجية. بعد التآكل، تُفتح غرف مثل Mastcam-Z ومستشعر WATSON الحصول على صور عالية الدقة، و يصدر SuperCam نبضات ليزر لتحليل التركيب الكيميائي من الضوء المنعكس.
ومن الأمثلة الحديثة على هذه العملية حالة الصخور كنمور، موضوع دراسة المركبة في يونيو ٢٠٢٥. أثناء الحفر، أظهرت الصخور سلوكًا غير عادي، إذ اهتزت وتفتتت أكثر من المتوقع. كشف التحليل عن وجود المعادن الطينية الغنية بالحديد والمغنيسيوم، مع جزيئات الماء المدمجة في بنيتها، مما يوفر معلومات قيمة حول عمليات الترطيب في الماضي المريخي.
تسمح هذه الأساليب المنهجية بجمع البيانات عن أنواع الصخور المختلفة في جميع أنحاء فوهة جيزيرو، مما يؤدي إلى توسيع المعرفة حول التنوع الجيولوجي كوكب المريخ وتطوره على مدى ملايين السنين.
تحديد مثل هذه الصخور المعينة والتقنيات المستخدمة لدراستها إعادة تقييم أهمية المهام الروبوتية على الكوكب الأحمر. يُقدّم كل اكتشاف أدلةً تُعزّز فهمنا للدورات الجيولوجية والمناخية للكوكب، بالإضافة إلى احتمالية وجود حياة عليه في مرحلةٍ ما من تاريخه.
علاوة على ذلك، تُمكّن هذه التطورات من التحضير لمهام مستقبلية، سواءً لجمع عينات لتحليلها على الأرض أو للاستكشاف البشري المُحتمل. وستكون المعرفة المُتراكمة حول سلوك وتركيب صخور المريخ أساسيةً لتطوير تقنيات واستراتيجيات آمنة وفعّالة للمراحل القادمة من استكشاف الكواكب.
مع كل تحليل جديد يتم إجراؤه بواسطة المركبات المتجولة، يكشف المريخ المزيد من الأسرار المخفية تحت سطحه الجافتشكل التكوينات المكتشفة حديثًا، مثل خليج سانت بول وكينمور، تحديًا رائعًا للعلم وتبقي الفضول حيًا بشأن الماضي والحاضر ومستقبل جارنا الكوكبي.