El ارتفاع وانخفاض مستوى سطح البحر يُعيد تشكيل السواحل، ويُغيّر النظم البيئية، ويُشكّل تحديات اقتصادية وبيئية واجتماعية على نطاق عالمي. تُظهر أحدث الأبحاث أن هذه التغيرات قد تحدث على مراحل، أو حتى بشكل مفاجئ، تبعًا لسلوك الأنهار الجليدية القطبية والظروف المناخية الإقليمية. ظواهر مثل ذوبان الجليد في جرينلاند أو أنتاركتيكا لا تُسهم فقط في ارتفاع مستوى سطح البحرولكنها تولد أيضًا تقلبات غير متوقعة تؤثر على البيئات الحضرية والريفية على حد سواء.
وقد بدأت بعض المناطق تعاني من العواقب بشكل مباشر. وتشهد المجتمعات الساحلية في أميركا اللاتينية وأوروبا وآسيا تعدي البحر على الأراضي، مما يؤدي إلى تآكل البنية الأساسية وإجبار الأسر على النزوح.. ومن ناحية أخرى، في أماكن مثل بحر قزوين، انخفاض منسوب المياه ويؤدي هذا إلى ظهور تشكيلات جغرافية جديدة، مثل الجزر، ويجلب معه تهديدات جديدة للتنوع البيولوجي والتوازن الاقتصادي في المنطقة.
التغيرات التاريخية وعلامات الماضي
السجلات الأكثر اكتمالا على مستوى البحر ارجع إلى أكثر من قرنين من الزمان مع توفر تقنيات الأقمار الصناعية الحديثة منذ تسعينيات القرن الماضي. وبجمع السجلين، حدد العلماء اتجاهًا واضحًا: يرتفع مستوى سطح البحر العالمي، وتتسارع وتيرة ذلك كل عام. ومن الأمثلة الواضحة تحليل أحافير المرجان في المحيط الهندي، حيث أُعيد بناء سلوك مستوى سطح البحر خلال آخر فترة بين جليدية، أي منذ أكثر من 120.000 ألف عام. تُظهر النتائج أنه بسبب الذوبان غير المتساوي للكتل الجليدية في نصفي الكرة الأرضية، ارتفع مستوى سطح البحر على عدة مراحل، تخللتها انخفاضات مفاجئة أدت إلى تسلسلات معقدة في نمو الشعاب المرجانية.
خلال تلك الفترة، زيادة تصل إلى 7,4 متر فوق المستوى الحاليويعتقد بعض الخبراء أن قد نواجه احتمالية ارتفاع منسوب المياه في العالم بما يتجاوز 10 أمتار.إذا استمر معدل الاحترار الحالي. القارة القطبية الجنوبية، على وجه الخصوص، قد يكون أكثر حساسية للحرارة مما كان مقدرًا في السابق.
التأثيرات على البيئات المحلية: المجتمعات المعرضة للخطر
La غواخيرا الفنزويلية مثال حديث على التأثير المباشر لارتفاع منسوب مياه البحر: تآكل السواحل وتسرب المياه المالحة يُغيّران حياة المجتمعات الأصلية، مما يُجبر العائلات على النزوح ويُهدد الموارد الحيوية. في إسبانيا، وتحديدًا في أوسكاديارتفع مستوى سطح البحر بأكثر من 20 سنتيمترًا خلال القرنين الماضيين، مصحوبًا بتزايد في الظواهر الجوية المعاكسة، مثل موجات الحر والأمطار الغزيرة. يُحذّر الخبراء من أهمية التكيف وإنشاء بنى تحتية مرنة لمواجهة هذه التحديات، مُسلّطين الضوء على دور القوانين الإقليمية والاستثمار في شبكات رصد المناخ.
إن الخسائر الاقتصادية المرتبطة بالظواهر الجوية المتطرفة في أوروبا تتجاوز بالفعل 560.000 مليار يورو بين عامي 1980 و2021. وعلاوة على ذلك، إذا استمر سيناريو الاحتباس الحراري العالمي هذا، وسوف يستمر التأثير الاقتصادي في النمومما يؤثر على البنية التحتية والزراعة والحياة اليومية للمواطنين.
انخفاض مستوى سطح البحر وظهور جزر جديدة
حالة بحر قزوين يوضح أن تغيرات مستوى سطح البحر لا تعني بالضرورة ارتفاعه. فقد كشف تراجع مياهه، الذي يُعزى إلى انخفاض تدفق الأنهار التي تغذيه وزيادة التبخر بسبب الاحتباس الحراري، جزر ورمال جديدةوثّق علماء روس وأذربيجانيون كيف تقلص سطح البحر، خلال العقود الأخيرة، وتغيرت الجغرافيا الإقليمية بشكل مفاجئ. وتشير التقديرات إلى أنه في حال استمرار الاتجاهات الحالية، فقد ينخفض مستوى سطح البحر بأكثر من 20 مترًا قبل نهاية القرن الحادي والعشرين، مما يُعرّض التنوع البيولوجي للخطر ويُولّد تحديات جيوسياسية وبيئية.
تؤثر هذه التغيرات أيضًا على الأنواع التي تعتمد على النظم البيئية الساحلية واستغلال الموارد الاستراتيجية، مثل النفط والغاز. ويُبرز ظهور جزر جديدة نتيجة انخفاض مستوى سطح البحر أهمية ضرورة تنفيذ تدابير التكيف وإجراء مراقبة علمية شاملة.
أدوات الدراسة والتكيف
بفضل استخدام تقنيات مثل قياس الارتفاع عبر الأقمار الصناعية وسجلات قياس المد والجزر التاريخيةيستطيع العلماء توقع الاتجاهات واقتراح إجراءات التكيف. وتُنتج مؤسسات مثل ناسا بيانات تُمكّن من تقييم المخاطر في المدن والسواحل، بالإضافة إلى تحديد عدد السكان والأصول المهددة. علاوة على ذلك، تُعزز خرائط توزيع أشجار المانغروف، ومراقبة جودة المياه، وتحليل تطور الأنهار الجليدية، قدرة المجتمعات والحكومات على تبني سياسات وقائية وتكيفية، وهي سياسات أساسية لمواجهة تحديات المناخ الحالية والمستقبلية.
ارتفاع مستوى سطح البحر ظاهرةٌ متعددة العوامل ومعقدة، تتفاعل مع عوامل متعددة، بدءًا من الاحتباس الحراري وصولًا إلى الظروف المحلية والإقليمية. ومن فقدان الأراضي في منطقة البحر الكاريبي، مرورًا بتزايد الفيضانات في إقليم الباسك، ووصولًا إلى ظهور جزر في بحر قزوين، ستكون القدرة على توقع هذه التغيرات والاستجابة لها أمرًا بالغ الأهمية لبقاء واستدامة العديد من المجتمعات الساحلية.